ثم
صعدنا إلى السماء الرابعة فى أسرع من طرفة عين وبينهما وبين السماء
الثالثة خمسمائة عام وسمكها مثل ذلك فطرق جبريل بابها فقالوا من هذا ؟قال
جبريل فقالوا ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قالوا مرحبا بك وبمن
معك ففتحوا لنا الباب فدخلناها فإذا هى سماء من فضة بيضاء يقال لها
الزاهرة رأيت فيها من عجائب ربى عز وجل أصنافا من الملائكة ورأيت رجلا
على وجهه نور ساطع وله قلب خاشع فقلت من هذا يا أخى يا جبريل قال هذا أخوك
إدريس رفعه الله مكانا عليا ادن منه وسلم عليه فدنوت منه وسلمت عليه فرد
على السلام واستغفر الله لى ولأمتى ثم رأيت ملكا عظيم الخلقة والمنظر قد
بلغت قدماه تخوم الارض السابعة ورأسه تحت العرش وهو جالس على كرسى من نور
والملائكة بين يدية وعن يمينه وعن شماله ينتظرون أمر الله تعالى عز وجل
وعن يمينه لوح وعن شماله شجرة عظيمة إلا أته لم يضحك أبدا فقلت يا أخى يا
جبريل من هذا قال جبريل هذا هازم اللذات ومفرق الجماعات ومخرب البيوت
والدور ومعمر القبور وميتم الأطفال ومرمل النساء ومفجع الأحباب ومغلق
الأبواب ومسود الأعتاب وخاطف الشباب هذا ملك الموت عزرائيل فهو ومالك
خازن النار لا يضحكان أبدا ادن منه وسلم عليه فدنوت منه وسلمت عليه فلم
يرد على السلام فقال له لم لم ترد السلام على سيد الخلق وحبيب الحق فلما
سمع كلام جبريل وثب قائما ورد السلام وهنآنى بالكرامة من ربى وقال أبشر يا
محمد فإن الخير فيك وفى أمتك إلى يوم القيامة فقلت يا أخى يا عزرائيل هذا
مقامك ؟قال نعم منذ خلقنى ربى إلى قيام الساعة فقلت كيف تقبض على الأرواح
وأنت فى مكانك هذا؟ قال إن الله أمكنى من ذلك وسحر لى من الملائكة خمسة
آلاف أفرقهم فى الأرض فإذا بلغ العبد أجله واستوفى رزقه وانقضت مدة حياته
أرسلت إليه أربعين ملكا يعالجون روحه فينزعونها من العروق والعصب واللحم
والدم ويقبضونها من ررؤس أظافره حتى تصل إلى الركب ثم يريحون الميت ساعة
ثم يجذبونها إلى السرة ثم يريحونه ساعة ثم يجذبونها إلى الحلقوم فتقع فى
الغرغرة فأتناولها وأسلها كما تسل الشعرة من العجين فإذا انفصلت من الجسد
جمدت العينان وشخصتا لأنهما يتبعان الروح فأقبضها بإحدى حربتى هاتين وإذا
بيده حربة من نور وحربة سخط فالروح الطيبة يقبضها بحربة النور ويرسلها إلى
عليين والروح الخبيثة يقبضها بحربة السخط ويرسلها إلى سجين وهى صخرة سوداء
مدلهمة تحت الأرض السابعة السفلى فيها ارواح الكفار والفجار قلت وكيف تعرف
حضر أجل العبد أم لم يحضر قال يا محمد ما من عبد إلا وله فى السماء بابان
باب ينزل منه رزقه وباب يصعد اليه عمله وهذه الشجرة التى يسارى ما عليها
ورقة إلا وعليها اسم واحد من بنى آدم ذكورا وأناثا فإذا قرب أجل الشخص
اصفرت الورقة التى كتب عليها اسمه وتسقط على الباب الذى ينزل منه رزقه
ويسود اسمه فى اللوح فأعلم أنه مقبوض فأنظر إليه نظرة يرتعد منها جسده
ويتوعك قلبه من هيبتى فيقع ى الفراش فأرسل إليه أربعين من الملائكة
يعالجون روحه وذلك قوله تعالى (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم
لا يفرطون ) قلت يا أخى يا عزرائيل أرنى صورتك التى خلقك الله عليها
وتقبضفيها الأرواح قال يا حبيبى لا تستطع النظر إليها فقلت أقسمت عليك إلا
فعلت وإذا بالنداء من العلى الأعلى لا تخالف حبيبى محمد فعند ذلك تجلى
ملك الموت فى الصورة التى يقبض فيها الأرواح قال النبى صلى الله عليه وسلم
فلما نظر ملك الموت إلى وجدت الدنيا بين يديه كالدرهم بين يدى أحدكم يقلبه
كيف يشاءفارتعد قلبى ورجف منه فوضع جبريل يده على صدرى فرجعت روحى إلى
وعقلى فقال جبريل يا محمد ما بعد القبرإلا ظلمة القبر ووحشته وسؤال منكر
ونكير قال النبى صلى الله عليه وسلم فودعته وتقدمت أمامى قليلا فإذا أنا
برجل صبيح الوجه غزير المقل فلما رآنى ضحك متبسما فقلت يا أخى يا جبريل من
هذا قال هذا أبوك إبراهيم الخليل ادن منه وسلم عليه فدنوت منه وسلمت عليه
فرد على السلام وهنآنى بالكرامة من ربى وقال مرحبا با لابن الصالح أبشر يا
محمد فالخير فيك وفى أمتك إلى يوم القيامة وإن أخاك جبريل يرفعك إلى ربك
ليجتبيك ويكرمك قلت ما قعودك هنا فقال أنظر إلى أعمال أولاد آدم فما رأيت
أجمل ولا أكمل ولا أنور ولا أزهر ولا أحسن ولا ازكى ولا أطهر ممن يقول لا
إله الا الله محمد رسول الله فطاب قلبى وحمدت ربى فقال جبريل تقدم وصل به
وبالملائكة ركعتين فتقدمت وصليت ركعتين ثم ارتقينا إلى السماء الخامسة